كتب ضياء أبوالصفا:
في البداية يقول الشيخ علي عبدالباقي الامين العام لمجمع البحوث الاسلامية إن المجمع قد قرر من قبل أن أهل العلم أجمعوا علي أنه لا يجوز للانسان علي سبيل الاطلاق أن يبيع عضوا من اعضائه أيا كان هذا العضو لأن اعضاء الانسان ليست محلا للبيع أو الشراء وليست سلعة من السلع التي يصح فيها التبادل التجاري، وإنما جسد الانسان بناء بناه الله تعالي وسما به عن البيع أو الشراء، وحرم المتاجرة به تحريما قاطعا، وكل ما يأتي عن هذا الطريق بالنسبة لجسد الانسان فهو باطل.
التبرع جائز بشرط
أمابالنسبة لتبرع الانسان لغيره بعضو من اعضائه فيري جمهور الفقهاء أن هذا التبرع جائز شرعا إذا صرح الطبيب الثقة المتخصص لأن تبرع الانسان بشيء من جسده لا يصدر عنه إلا في أشد حالات الضرورة لشخص عزيز عليه ومن أجل تقديم منفعة جليلة لغيره مبتغيا بها وجه الله تعالي. وبالنسبة لحكم نقل الاعضاء من الموتي للاحياء فقد ناقش مجمع البحوث المسألة في إحدي جلساته التي عقدت في 24 ابريل 1997، وانتهت الي ان شريعة الاسلام كرمت جسد الانسان في حياته وبعد مماته ونهت عن ابتذاله أو تشويهه أو الاعتداء عليه بأي لون من الاعتداء.. وقال المجمع أن الموت شرعا هو مفارقة الحياة للانسان مفارقة تامة حيث تتوقف كل الاعضاء بعدها توقفا تاما عن أداء وظائفها والذي يحدد ذلك الاطباء فإذا ماتمت هذه المفارقة التامة للحياة بالنسبة للانسان وأقر بذلك الطبيب الثقة المتخصص فإنه في هذه الحالة يجوز النقل إذا كان هذا الانسان الميت قد أوصي بذلك قبل وفاته كتابة أوشهد بذلك اثنان من ورثته، وإذا لم تكن هناك وصية ولا شهادة ففي هذه الحالة يكون الاذن من السلطة المختصة.. وفي جميع الاحوال يجب أن يكون الاذن بالنقل دون مقابل كما يجب أيضا أن يكون العضو المنقول لا يؤدي الي اختلاط الانساب وذلك كله استنادا الي القاعدة الفقهية: ' الضرر الاشد يزال بالضرر الاخف'.
ويضيف الشيخ علي عبدالباقي الامين العام لمجمع البحوث الاسلامية أن المجمع قد أباح في آخر جلساته مسألة نقل الاعضاء بشرط ان يكون النقل عن طريق التبرع لا البيع والشراء والحكم يشمل جميع الاعضاء ماعدا الاعضاء التناسلية فلا يجوز نقلها.. والسبب في عدم جواز أن يبيع الانسان أحد أعضائه هو أن الانسان لا يملك هذه الاعضاء ولم يدفع فيها ثمنا وإنما هي هبة من الله سبحانه وتعالي له.. ومن أراد أن يتبرع بأعضائه لوجه الله فهذا أمر جائز.. أما أن يقبض ثمنا مقابل بيعه لاحد أعضائه فهذا أمر مخالف لاصل الخلقة ويفتح الباب لانتشار تجارة بيع الاعضاء ومن هنا تكون أسباب السرقة مهيأة لكل إنسان وهذا أمر منهي عنه شرعا من باب سد الذرائع.
حكم سرقة الاعضاء
وعن حكم سرقة الاعضاء يقول: هي حرام وهي جريمة بحجم الجناية.
ويؤكد الشيخ محمود عاشور وكيل الازهر الاسبق وعضو مجمع البحوث الاسلامية رأي أمين المجمع بقوله: اي نوع من أنواع التجارة في الاعضاء البشرية سواء عن طريق السماسرة أو الأطباء أو المراكز التي تقوم بمثل هذه العمليات فكل ذلك حرام ويضيف: أن نقل الاعضاء يكون من حي إلي حي ويشترط فيها أن تكون تبرعا وليس بيعا أو شراء ولا تجارة وأن يفيد النقل المتبرع له ولا يضر المتبرع وأن يكون كل ذلك تحت إشراف طبي دقيق.. أما نقل الاعضاء من ميت إلي حي فيشترط أن يكون الميت قد فارق الحياة تماما وأن يتبرع بأعضائه قبل موته أو أن يتبرع ورثته بأعضائه وأن يتم النقل تحت إشراف طبي دقيق. وألا يكون ايضا بيعا أو شراء أو تجارة لأن التجارة في الاعضاء البشرية حرام.
أما الدكتور محمد رأفت عثمان استاذ الفقه المقارن وعضو مجمع البحوث الاسلامية فيشدد علي أن الانسان مكرم من الله تبارك وتعالي وفضله علي كثيرمن خلقه وسخر له مافي الكون كله تنطق بذلك آيات القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم فمن القرآن الكريم نجد قول الله عز وجل ' ¤ٌلٌقٌد كٌرٌّمنٌا بٌني آدٌمٌ ¤ٌحٌمٌلنٌاهيم في َبٌرّ ¤ٌالبٌحر ¤ٌرٌزٌقنٌاهيم مّنٌ َطٌّيّبٌات ¤ٌفٌضٌّلنٌاهيم عٌلٌي¢ كٌثيرج مّمٌّن خٌلٌقنٌا تٌفضيلاْيقول عز وجل: 'هو الذي خلق لكم مافي الارض جميعا' وقال تعالي: 'وسخر لكم مافي السموات ومافي الارض جميعا منه' وغير ذلك من آيات كريمة تبين تسخير الله عز وجل الكون للانسان.. ويضيف: ولهذا اجمع العلماء علي أن الانسان مكرم في حياته وحتي بعد موته ولهذا لا يجوز التعدي علي كرامته بأي نوع من التعدي حيا كان أو ميتا لدرجة أنه ورد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: 'كسر عظام الميت ككسر عظامه حيا'والعلماء أيضا بالاجماع يقولون بتحريم انتهاك حرمة الميت بأي صورة من صور الانتهاك فلا يجوز نبش القبر مثلا، بل ولا نقل الميت من مقبرة الي مقبرة إلا لداع يدعو إلي ذلك. وبناء علي هذا فإن بيع جزء من الانسان يدخل في باب المحرمات لانه امتهان لكرامة الانسان وجعله سلعة تباع وتشتري وتمتهن بالاستعمال وفي هذا النطاق نجد أيضا قول الله عز وجل في حديثه القدسي محذرا أن يباع الحر وجعل نفسه عز وجل خصما لمن يبيعون إنسانا حرا قال 'ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطي بي ثم عذر أي أعطي بالله عهدا ثم غدر بهذا العهد ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفي منه ولم يعطه أجره'
من أكبر الجرائم
فإذا كان بيع الحر لايجوز مع ملاحظة ان فترة الرق كانت لدواع تاريخية انقضت ولا توجد الان والاسلام يشرع من التشريعات المتعددة ما يؤدي في النهاية للقضاء علي الرق.. فإذا كان لايجوز بيع الحر فإنه لايجوز ايضا بيع جزئه ولو ضربنا مثالا لهذا وقلنا..أنه لا يجوز بيع ملك الغير فلا يجوز ايضا بيع بعض ملك الغير'. وهكذا في المسألة التي نتكلم فيها فإذا كان لا يجوز بيع الانسان الحر فلا يجوز ايضا بيع أي جزء من أجزاء جسمه. والملاحظ الان كما تنشر اجهزة الاعلام المختلفة أن بعض الاطباء لايراعون الله في عملهم ولا يؤدون عملهم بمقتضي الامانة التي أوكلت إليهم ومسئولون امام الله عنها وهي التحكم في جسم المريض وخاصة أثناء فقدانه لوعيه وسرقة بعض اعضاء جسمه. فإن هذا يعد من أكبر الجرائم ومن كبائر الذنوب وأن الاعتداء علي أي إنسان بأي صورة من صور الاعتداء حتي ولو كان بالكلمة النابية من المحرمات.. فما بالنا إذا كان الاعتداء بقطع جزء من أجزاء جسمه لاعلي سبيل العلاج وإنقاذ حياة المريض بل بطريق السرقة والانحطاط الاخلاقي فإن هذا يعد من أكبرالجرائم، ولهذا يجب أن يوضع التشريع الذي يعاقب مثل هذه الجريمة البشعة بالعقوبة التي تكون زاجرة رادعة، وتؤدي إلي إغلاق باب هذه السرقات المتدنية من بعض الذين لا يراعون الله في دينهم ولا أخلاقهم، وهذا بالطبع لا يمس الكثرة من ملائكة الرحمة الذين يراعون الله في اعمالهم.. بل ويتبرع البعض منهم بعلاج المريض دون أخذ أجر منه.